اَلْعَارِيَةُ
( اَلْإِعَارَةُ )
اَلْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ: تَعْرِيْفُهَا
لُغَةً: اَلْعَارِيَّةُ
- بِتَشْدِيْدِ الْيَاءِ وَقَدْ تَخَفَّفَ، وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُّ -: هِيَ اِسْمٌ
لِمَا يُعَارَ أَوْ يُعْطِيْهِ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ
عَلَيْهِ، وَهِيَ مِنَ الْعَرْيِ وَهُوَ التَجَرُّدُ، سُمِّيَتْ عَارِيَةٌ لِتَجَرُّدِهَا
عَنِ الْعِوَضِ. وَاِصْطِلاَحًا: تَمْلِكُ
الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَقِيْلَ فِي
تَعْرِيْفِهَا: هِيَ إِبَاحَةٌ نَفَعَ مَعِيْنٌ تَبْقِى بَعْدَ اِسْتِيْفَائِهِ.
اَلْمَبْحَثُ الثَّانِي: حُكْمُهَا
اَلْعَارِيَةُ
قُرْبَةٌ مَنْدُوْبٌ إِلَيْهَا؛ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ اَلْمَائِدَةُ:
2.
وَاِسْتِعارَ
النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا مِنْ أَبِيْ طَلْحَةَ فرَكَبِه[1]، وَفِي
سُنَنِ أَبِيْ دَاوُدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اِسْتِعَارَ دَرْعًا
مِنْ صَفْوَانِ بْنِ أَمِيَّةِ يَوْمَ حُنَيْنِ فَقَالَ: غَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ:
((بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُوْنَةٌ)).[2]
وَقَدْ أَجْمَعَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوْعِيَّةِ الْعَارِيَّةِ.
اَلْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: حِكْمَةٌ مَشْرُوْعِيَّتُهَا
تَحْقِيْقُ مُبْدَأُ
التَّعَاوُنِ الَّذِيْ نَدْبُ اللهِ - تَعَالَى - اَلْمُسْلِمِيْنَ إِلَيْهِ. وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ
مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيْهِ)).[3]
اَلْمَبْحَثُ الرَّابِعُ: أَرْكَانُهَا
عِنْدَ الْجُمْهُوْرِ
أَرْكَانُ الْعَارِيَةِ أَرْبَعَةٌ: اَلْمُعِيْرُ، وَالْمُسْتَعِيْرُ، وَالْمُعَارُ،
وَالصِيْغَةُ، وَهِيَ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْفَعَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.
اَلْمَبْحَثُ الْخَامِسُ: شُرُوْطُهُ
اِشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ
أَرْبَعَةٌ شُرُوْطٌ لِصِحَّةِ الْعَارِيِةِ:
أ- كَانَ
الْمُعِيْرُ عَاقِلاً، فَلاَ تَصِحُّ الْعَارِيَةُ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ؛
كَصَبِيٍّ، وَسَفِيْهٍ، ومُفلِسٍ.
ب- اَلْقَبْضُ
مِنَ الْمُسْتَعِيْرِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْعَارِيَةِ عَقْدٌ تَبَرَّعُ، فَلاَ يُثْبِتُ
حُكْمُ الْعَارِيَةَ بِدُوْنِ الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ.
ج- أَنْ
يَكُوْنَ الْمُسْتَعَارُ مِمَّا يُمْكِنُ الْاِنْتِفَاعُ بِهِ بِدُوْنِ اِسْتِهْلَاكِهِ
وَإِلَّا لَمْ تَصِحْ.
د- وَأَنْ
يَكُوْنَ الْاِنْتِفَاعُ مُبَاحًا شَرْعًا، فَلَا تَصِحُّ إِعَارَةٌ آلَةِ لَهْوٍ،
وَلَا إنَاءٌ لِيُضِعَ فِيْهِ خَمْرًا.
اَلْمَبْحَثُ السَّادِسُ: مَا تَصِحُّ إِعَارَتُهُ
وَمَا لَا تَصِحُّ
قَرَّرَ الْعُلَمَاءُ
أَنَّهُ تَصِحُّ الْإِعَارَةُ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَنْتَفِعُ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا؛
كَالدُّوَرِ، وَالْأَرْضَيْنِ، وَالثِّيَابِ، وَالدَّوَابِ، وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ،
وَجَمِيْعِ مَا يَعْرِفُ بِعَيْنِهِ إِذَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ مُبَاحَةَ الْاِسْتِعْمَالِ.
وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ،
فَلَا تَجُوْزُ إِعَارَةُ الْجَوَارِيِّ لِلِاسْتِمْتَاعِ، ويُكْرَهُ لِلِاسْتِخْدَامِ،
وَيَحْرُمُ إِعَارَةُ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ لِلْحَرَبِيِّ، وَالْمُصْحَفِ وَمَا
فِي مَعْنَاهُ لِلْحَرَبِيِّ.
اَلْمَبْحَثُ السَّابِعُ: نَفَقَةُ الْعَارِيَةِ
إِذَا كَانَ لِلْمُسْتَعَارِ
نَفَقَةٌ - كَمَا لَوْ كَانَتْ دَابَّةٌ فَتَحْتَاجُ إِلَى عَلَفٍ، أَوْ مِسْكِنًا
فَيَحْتَاجُ إِلَى تَرْمِيْمِ - فَهَذِهِ النَّفَقَةُ عَلَى مَالِكِ الْعَيْنِ.
وَإِذَا اِنْتَهَتِ
الْإِعَارَةُ أَوْ فَسَخَتْ وَوُجِبَ عَلَى الْمُسْتَعِيْرِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةَ
إِلَى الْمُعِيْرِ، كَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيْرِ مُؤَنَّةٌ وَنَفَقَةُ الرَدِّ؛ كَأَجْرَةِ
دَابَّةٍ أَوْ سَيَّارَةِ نَقْلٍ مَثَلاً، وَجَاءَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ فِي
حَدِيْثِ صَفْوَانٍ: ((عَارِيَةٌ مُؤَدَّاةٌ))[4]، وَقَالَ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيْهِ)).[5]
أ- صِفَةُ
حُكْمُ الْإِعَارَةِ
قَالَ الْجُمْهُوْرُ:
إِنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتُ لِلْمُسْتَعِيْرِ مِلْكٌ غَيْرَ لَازِمٍ، فَيَجُوْزُ لِلْمُعِيْرِ
أَنْ يَرْجِعَ فِي الْإِعَارَةِ، كَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَعِيْرِ أَنْ يَرُدَّهَا فِي
أَيِّ وَقْتٍ شَاءٍ.[6]
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ
فِي الْمَشْهُوْرِ عِنْدَهُمْ: لَيْسَ لِلْمُعِيْرِ اِسْتِرْجَاعُ الْعَارِيَةُ قَبْلَ
الْاِنْتِفَاعِ بِهَا.[7]
وَسَبَبُ الْخِلَافُ
بَيْنَ الْفَرِيْقَيْنِ هُوَ مَا يُوْجَدُ فْي الْعَارِيَةِ مِنْ شِبْهِ الْعُقُوْدِ
اللَّازِمَةِ وَغَيْرُ اللَّازِمَةِ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ فِي اِسْتِرْدَادِهَا ضَرَرٌ
لِزَوَالِ نِهَايَةٍ مَعْلُوْمَةٍ كَالزَّرْعِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ تَبْقَى فِي يَدِ
الْمُسْتَعِيْرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ حَتَّى يَحْصُدُ الزَّرْعِ.
ب- اَلْاِخْتِلاَفُ
فِي الْعَارِيَّةِ
إِذَا قَالَ
الْمَالِكُ: أَجِّرْتُكَ، وَقَالَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ: بَلْ أَعَرَّتَنِي، فَالْقَوْلُ
قَوْلٌ مَدَّعِي الْإِعَارَةُ مَعَ يَمِيْنِهِ.
وَإِنَّ اِخْتَلَفًا
فِي الرَدِّ، كَأَنَّ يَدْعَي الْمُسْتَعِيْرُ أَنَّهُ رَدُّ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ
عَلَى الْمُعِيْرِ وَيُنْكِرُ الْمُعِيْرُ وَيَقُوْلُ: لَمْ تَرُّدْهَا عَلَيَّ، فَيُحْلِفُ الْمُعِيْرُ عَلَى
قَوْلِهِ وَيَصْدُقُ بِيَمِيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ.
ج- اِنْتِهَاءُ
الْعَارِيَةِ:
يَنْتَهِي عَقْدُ
الْإِعَاَرَةَ بِأُمُوْرٍ، هِيَ:
1-
طَلَبُ الْمُعِيْرُ
لِلْعَارِيَةِ وَرَجُوْعِهِ عَنِ الْإِعَارَةِ.
2-
رَدُّ الْمُسْتَعِيْرُ
لِلْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ عَلَى الْمُعِيْرِ بَعْدَ اِنْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِعَارَةِ
أَوْ قَبْلِهَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ.
3-
جَنُوْنٌ أَحَدُ
الْمُتَعَاقِدَيْنِ.
4-
مَوْتُ الْمُعِيْرُ
أَوِ الْمُسْتَعِيْرُ.
5-
اَلْحَجْرُ بِالسَّفِهِ
عَلَى الْمُعِيْرِ أَوِ الْمُسْتَعِيْرْ.
6-
اَلْحَجْرُ بِالْفَلَسِ
عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّبَرُّعُ بِمَنَافِعِ أَمْوَالِهِ
حِفْظًا لِمَصْلَحَةِ دَائِنِيْهِ.
*
Tidak ada komentar:
Posting Komentar